الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الأخفش: سورة الملك:{الّذِي خلق سبْع سماواتٍ طِباقا مّا ترى فِي خلْقِ الرّحْمانِ مِن تفاوُتٍ فارْجِعِ الْبصر هلْ ترى مِن فُطُورٍ}وقال: {طِباقا} وواحدها (الطبق).{ثُمّ ارجِعِ البصر كرّتيْنِ ينْقلِبْ إِليْك البصرُ خاسِئا وهُو حسِيرٌ}قال: {خاسِئا وهُو حسِيرٌ} لأنك تقول: (خسأْتُهُ) فـ(خسأ) فـ(هُو خاسِيء).{ولقدْ كذّب الّذِين مِن قبْلِهِمْ فكيْف كان نكِيرِ}وقال: {فكيْف كان نكِيرِ} أيْ: إِنكارِي.{أولمْ يروْا إِلى الطّيْرِ فوْقهُمْ صافّاتٍ ويقْبِضْن ما يُمْسِكُهُنّ إِلاّ الرحمنإِنّهُ بِكُلِّ شيْءٍ بصِيرٌ}وقال: {إِلى الطّيْرِ فوْقهُمْ صافّاتٍ} فجمع لأن (الطيْر) جماعة مثل قولك (صاحِب) و(صحْب) و(شاهِد) و(شهْد) و(راكِب) و(ركْب).{فلمّا رأوْهُ زُلْفة سِيئتْ وُجُوهُ الّذِين كفرُواْ وقِيل هذا الّذِي كُنتُم بِهِ تدّعُون}وقال: {هذا الّذِي كُنتُم بِهِ تدّعُون} لأنهم كانوا يقولون {ربّنا عجِّل لّنا قِطّنا} و{ائْتِنا بِعذابِ اللّهِ} فقيل لهم حين رأوا العذاب {هذا الّذِي كُنتُم بِهِ تدْعُون} خفيفة و{تدّعُون} ثقيلة قرأه الناس على هذا المعنى وهو أجود [177] وبه نقرأ لأنه شيء بعد شيء.{قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أصْبح مآؤُكُمْ غوْرا فمن يأْتِيكُمْ بِماءٍ مّعِينٍ}وقال: {مآؤُكُمْ غوْرا فمن يأْتِيكُمْ بِماءٍ مّعِينٍ} أيْ: غائرا ولكن وصفه بالمصدر وتقول: (ليْلةٌ غمٌّ) تريد (غامّةٌ)..قال ابن قتيبة: سورة الملك:2- {لِيبْلُوكُمْ أيُّكُمْ أحْسنُ عملا} أي ليختبركم.3- {ما ترى فِي خلْقِ الرّحْمنِ مِنْ تفاوُتٍ} أي اضطراب واختلاف.وأصله من (الفوت) وهو: أن يفوت شيء شيئا، فيقع الخلل ولكنه متصل بعضه ببعض.{هلْ ترى مِنْ فُطُورٍ}؟ أي من صدوع. ومنه يقال: فطر ناب البعير، إذا شقّ اللحم وظهر.4- {خاسِئا}: مبعدا. من قولك: خسأت الكلب، إذا باعدته.{وهُو حسِيرٌ} أي كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه.8- {تكادُ تميّزُ مِن الْغيْظِ} أي تنشقّ غيظا على الكفار.11- {فسُحْقا} أي بعدا.15- {فامْشُوا فِي مناكِبِها} أي جوانبها. (ومنكبا الرجل): جانباه.16- {فإِذا هِي تمُورُ} أي تدور، كما يمور السحاب: إذا دار وجاء وذهب.17- {فستعْلمُون كيْف نذِيرِ} أي إنذاري.18- وكذلك: {فكيْف كان نكِيرِ} أي إنكاري.19- {صافّاتٍ}: باسطات أجنحتهن، {ويقْبِضْن}: يضربن بها جنوبهن.22- {أفمنْ يمْشِي مُكِبّا على وجْهِهِ}: لا يبصر يمينا، ولا شمالا، ولا ما بين يديه. يقال: أكبّ فلان على وجهه (بالألف)، وكبّه اللّه لوجهه.وأراد: الأعمى.27- {فلمّا رأوْهُ زُلْفة} أي قريبا منهم. يقول: لمّا رأوا ما وعدهم اللّه قريبا منهم، {سِيئتْ}... وجوههم، وقِيل لهم: {هذا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تدّعُون} أي تدعون. وهو (تفتعلون) من الدعاء. يقال: دعوت وادّعيت، كما يقال: خبرت واختبرت، ودخرت وادّخرت.30- {أصْبح ماؤُكُمْ غوْرا} أي غائرا، وصف بالمصدر. يقال: ماء غور. ولا يجمع، ولا يثنّي، ولا يؤنّث. كما يقال: رجل صوم ورجال صوم، ونساء صوم.{فمنْ يأْتِيكُمْ بِماءٍ معِينٍ} أي ظاهر. وهو (مفعول) من العين، كمبيع من البيع. وقد تقدم ذكر هذا. اهـ..قال الغزنوي: سورة الملك:2 {خلق الْموْت والْحياة} الحياة لنختبركم فيها، والموت للبعث والجزاء. أو تعبّد بالصّبر على الموت والشكر في الحياة.3 {طِباقا}: جمع (طبق) جمل وجمال، أي: بعضها فوق بعض. أو وقيل: التفوّت مخالفة الجملة ما سواها، والتفاوت مخالفة بعض الجملة. بعضا كأنه الشّيء المختلف لا على نظام. ومن لطائف المعاني أنّ الفوت الفرجة بين الإصبعين، والفوت والتفوّت واحد، فمعنى: {من تفوّت} معنى {هلْ ترى مِنْ فُطُورٍ}، أي: صدوع.{ثُمّ ارْجِعِ الْبصر كرّتيْنِ} ارجع البصر وكرّر النّظر أبدا قد أمرناك بذلك كرّتين.{خاسِئا}: صاغرا ذليلا.{وهُو حسِيرٌ}: معيى كليل.{شهيق}: زفرة من زفرات جهنّم.7 {تفُورُ}: تغلي.15 {ذلُولا}: سهلة ذات أنهار وأشجار ومساكن مطمئنّة.{فِي مناكِبِها}: أطرافها و أقطارها. وقيل: جبالها وإذا أمكن سلوك جبالها فهو أبلغ في التذليل.16 {أأمِنْتُمْ منْ فِي السّماءِ} من الملائكة. أو من في السّماء عرشه أو سلطانه أو (في) بمعنى (فوق)، كقوله: {فسِيحُوا فِي الْأرْضِ}، فيكون المراد العلوّ والظهور. أو المعنى: من هو المعبود في السّماء وخصّ السّماء للعبادة برفع الأيدي في الأدعية إليها ونزول الأقضية منها.19 {صافّاتٍ} أي: أجنحتها في الطيران وبقبضها عند الهبوط. أو {يقبضن} يسرعن، من (القبيض): شدّة العدو.{ما يُمْسِكُهُنّ إِلّا الرّحْمنُ} لو غيّر الهواء والأجنحة عن الهيئة التي تصلح لطيرانهن لسقطن، وكذلك العالم كله فلو أمسك حفظه وتدبيره عنها طرفة عين لتهافتت الأفلاك وتداعت الجبال.21 {لجُّوا}: تقحّموا في المعاصي، و(اللّجاج): تقحّم الأمر مع كثرة الصّوارف عنه.و(العتوّ): الخروج إلى فاحش الفساد.22 {مُكِبّا}: ساقطا. كببته على وجهه فأكبّ، ومثله: نزفت ماء البئر، وأنزفت البئر: نضب ماؤها، ومريت النّاقة وأمرت: درّ لبنها.27 {زُلْفة}: قريبا.{سِيئتْ}: ظهر السّوء في وجوههم.{تدّعُون} تتداعون بوقوعه بمعنى الدعوى التي هي الدعاء،وجاء في التفسير: تكذبون، وتأويله: تدّعون الأكاذيب.30 {غوْرا}: غائرا، وصف الفاعل بالمصدر، كقولهم: رجل عدل، أي: عادل. اهـ..قال ملا حويش: تفسير سورة الملك:عدد 27- 77 – 65.نزلت بمكة بعد سورة الطور.وهي ثلاثون آية.وثلاثمائة وثلاث عشرة كلمة.وألف وثلاثمائة وثلاثة عشر حرفا.لا ناسخ ولا منسوخ فيها.ونظائرها في الآي الفجر والسجدة فقط.بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِقال تعالى: {تبارك} تقدم ما فيه أول الفرقان فراجعه، {الّذِي بِيدِهِ الْمُلْكُ} يتصرف فيه وبما فيه، يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء {وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} 1 بالغ القدرة في كل ممكن، وهل يوجد شيء غير ممكن على اللّه تعالى إلا إخراج خلقه عن ملكه، وذلك رحمة بهم لأنه قادر على تبديلهم بغيرهم كما أنه قادر على تبديل السموات والأرض، قال تعالى: {وما نحْنُ بِمسْبُوقِين على أنْ نُبدِّل أمْثالكُمْ ونُنْشِئكُمْ فِي ما لا تعْلمُون} الآية 67 من الواقعة، وقال تعالى: {يوْم تُبدّلُ الْأرْضُ غيْر الْأرْضِ والسّماواتُ} الآية 48 من سورة إبراهيم المارة وأمثالها كثير في القرآن، ولما كان لا يكون ذلك إلا بإعدامهم وقد قدر لهم أجلا في هذه الدنيا لابد بالغوه فلا يمكن إخراجهم من ملكه..مطلب في إمكان القدرة وفوائد الكواكب: قال بعض المفسرين إن قدرته تعالى مقيدة لأنه لا يقدر على ذاته المقدسة ولا على جعل صاحبة له أو ولد أو شريك تعالى عن ذلك، وهذا وإن كان كذلك لأن هذه ليست من الممكنات، وإن القول يتقييد القدرة بهذه الأسباب مما يعبس ويكفهرّ لها الوجوه ويقشعر لها البدن وترتعد لها الفرائص وينكمش لها القلب، لهذا فالأحسن الصفح عن هكذا إيرادات والاكتفاء بظاهر اللفظ، ولهذا قال الإمام الرباني ما قال كما أثبتناه في الآية 42 من سورة النجم، فتدبره أرشدك اللّه لهداك وأبعدك عما فيه رداك.واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي مر ذكرها، راجع الآية 158 من الأنعام المارة ففيها كفاية، وقد ذكرنا جواز إطلاق اليد عليه تعالى اتباعا لما جاء في ظاهر القرآن إذ ألزمنا أنفسنا في هذا التفسير المبارك السير فيه على ظاهره ما وجدنا لذلك سبيلا، وقد جاءت أحاديث قدسية بذلك أيضا وهي مفسرة لكتاب اللّه، ومن عرف أن اللّه عز وجل منزه عن المثل والشبهيّة عرف أن يده ومجيئه وقبضته وإتيانه المشار إليه في القرآن لا تشابه شيئا من مسمياتها في البشر تدبر.قال في بدء الأمالي:وقال القائل: هذا، وليحذر العاقل أن يتصرف بآيات الصفات حسبما يسبح بفكره أو تحدثه نفسه، ففيه مزالق مهلكة، كما أن عليه الكف مما يتصوره في إمكان القدرة الآنفة الذكر لأن منشأها من وساوس الشيطان ومسيرها الحيرة والوقوع بما لا يليق أن يوصف به الرب الجليل وليتعوذ من ذلك باللّه ومن الذي يسأل عن مثل هذه الأسئلة، وليقل لا إله إلا اللّه العظيم للفرد الصمد الجبار القهار القادر على كل شيء الرحيم بعباده اللطيف بهم العطوف عليهم، وليراجع تفسير الآية 27 من سورة الشورى المارة ليقف على رأفة ربه به.{الّذِي خلق الْموْت والْحياة} في الدنيا لأن الأشياء كانت ابتداء في حكم الموتى كالتراب والنطفة والبيضة، ثم طرأت عليها الحياة، وفي الآخرة الموت عند نهاية الأجل في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام البرزخ، والحياة عند البعث في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، أو المراد بالموت في الدنيا والحياة في الآخرة وهو أولى واللّه أعلم، {لِيبْلُوكُمْ} يختبركم ويمتحنكم أيها الناس ليظهر لخلقه {أيُّكُمْ أحْسنُ عملا} له وأخلصه وأصونه لشريعته وأحبه لخلقه {وهُو الْعزِيزُ} الغالب لمن عصاه القادر على من ناوأه {الْغفُورُ} 2 لمن تاب إليه وأناب {الّذِي خلق سبْع سماواتٍ طِباقا} بعضها فوق بعض {ما ترى فِي خلْقِ الرّحْمنِ مِنْ تفاوُتٍ} اختلاف أو اعوجاج أو عدم تناسب {فارْجِعِ الْبصر} أيها الإنسان وكرر النظر فيها ودوره مرة بعد أخرى وتأمل فيها {هلْ ترى مِنْ فُطُورٍ} 3 أو شقوق أو صدوع في شيء منها {ثُمّ ارْجِعِ الْبصر كرّتيْنِ} أو عشرا أو أكثر إذ يراد به التكثير لا العدد كما تقول لبيك وسعديك، وعليه قوله: فإنك منها كررت البصر فيه {ينْقلِبْ إِليْك الْبصرُ خاسِئا} ذليلا صاغرا مبعدا لم يتوفق الرؤية ما يهواه {وهُو حسِيرٌ} 4 كليل معمي منقطع عن إدراك مطوبه محروم من رؤية مراده {ولقدْ زيّنّا السّماء الدُّنْيا بِمصابِيح} كواكب متنوعة كالمصابيح الكهربائية بالنسبة لنظرنا وإلا فهي فوق ذلك بكثير، وهذه أول فائدة من فوائدها، والثانية {وجعلْناها رُجُوما لِلشّياطِينِ} الذين يسترقون السمع، وليس المراد أنهم يرمون نفس المصابيح لمنافاته معنى الزينة بل المراد أنهم يرمون بشعلة نارية منها كالقبس الذي يؤخذ من النار وهي باقية على حالها، قال تعالى: {فأتْبعهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} الآية 10 من الصافات المارة فراجعها، ومن المعلوم أن الشهاب ما يؤخذ من النار لا نفسها.والفائدة الثالثة الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر.والرابعة ما يحصل بها من نضوج الأثمار وألوانها وطعمها.والخامسة اختلاف الأنواء والمواسم الحاصلين بسيرها، وفوائد كثيرة ألمعنا إليها في الآية 62 من سورة الإسراء، والآية 16 من سورة الحجر المارة فراجعها.واعلم أن هذا عذابهم في الدنيا {وأعْتدْنا لهُمْ عذاب السّعِيرِ} 5 في الآخرة وهو النار المتأججة المتوقدة يحرق فيها كل كافر متمرد من الشياطين {ولِلّذِين كفرُوا بِربِّهِمْ} من الإنس والجن {عذابُ جهنّم} يصلونها {وبِئْس الْمصِيرُ} 6 مصير الكفرة من الفريقين الذين {إِذا أُلْقُوا فِيها سمِعُوا لها} لكل من السعير وجهنم وسائر طبقات النار الخاصتين بهذين الصفتين ومن ماثلهم {شهِيقا} هو أول نهيق الحمار {وهِي تفُورُ} 7 بهم فوران الماء بالجب القليل، أرأيت كيف ترفعه وتخفضه الفورة فهم كذلك فيها {تكادُ تميّزُ} تنقطع وتنفصل أعضاؤهم وأمعاؤهم بعضها عن بعض {مِن} شدة {الْغيْظِ} عليهم والحنق من شدة الفوران لو لا قوله تعالى: {كُلّما نضِجتْ جُلُودُهُمْ بدّلْناهُمْ جُلُودا غيْرها} الآية 55 من سورة النساء، وقد شبه اشتعال النار بكفرة الإنس والجن في قوة تأثيرها فيهم وإيصالها الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه، فاستعير اسم الغيظ لذلك الاستعمال استعارة تصريحية، واللّه يعلم كيف يصوغ الألفاظ إلى المعاني وكيف يجعلها في قوالب لائقة لمعاني بالغة {كُلّما أُلْقِي فِيها فوْجٌ} جماعة كثيرة جدا أكثر من فوج أهل الدنيا كما أن الآخرة أكبر منها {سألهُمْ خزنتُها} أي سأل خزنة جهنم ذلك الفوج، وقد بين اللّه تعالى صفة هذا السؤال بقوله عز قوله: {ألمْ يأْتِكُمْ نذِيرٌ 8} يخوفكم عذاب هذه النار؟فأجابوا معترفين: {قالوا بلى قدْ جاءنا نذِيرٌ} أكدوا جوابهم بقد المفيدة للتحقيق لشدة تحسرهم على ما فلتهم من السعادة وكثرة تأثرهم على ما لحقهم من الشقاء {فكذّبْنا} ما ذكره لنا ولم نلتفت إلى رشده ونصحه {وقُلْنا ما نزّل اللّهُ مِنْ شيْءٍ} مما تقول ونسبناه للسحر والكهانة والكذب والافتراء و(من) هنا يسمونها الزائدة على أن القرآن لا زائد فيه وهي هنا كأمثالها تأتي للتأكيد ويشترط أن يتقدمها النفي وأن تكون الكلمة الداخلة عليها نكرة كما هنا تدبر، وقلنا المرسل {إِنْ أنْتُمْ إِلّا فِي ضلالٍ كبِيرٍ} 9 وخطأ عظيم لأنكم أتيتمونا بما لا نعلمه ولم نسمعه في آبائنا {وقالوا لوْ كُنّا نسْمعُ} كلام الرسل {أوْ نعْقِلُ} ما وعظونا به {ما كُنّا} الآن {فِي أصْحابِ السّعِيرِ} 10 تفيد هذه الآية أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وهو كذلك لأنهما حجتان ملزمتان للعبد عند ربه.{فاعْترفُوا بِذنْبِهِمْ} الذي جعلهم في جملة أصحاب جهنم {فسُحْقا لِأصْحابِ السّعِيرِ} 11 وطردا عن رحمة اللّه تعالى وكرامته، وكلمة سحقا لم تكرر في القرآن أي سحقهم اللّه سحقا، قال الشاعر: قال تعالى: {إِنّ الّذِين يخْشوْن ربّهُمْ بِالْغيْبِ} من حيث لم يروه ولم يشاهدوا عذابه وآمنوا بما أخبرهم رسله {لهُمْ مغْفِرةٌ} لذنوبهم عنده جزاء إيمانهم به وبما جاء في كتابه وذكرته رسله من غير معاينة {وأجْرٌ كبِيرٌ} 12 على ذلك وعلى أعمالهم الصالحة التي دعموا بها إيمانهم.وبعد أن ذكر جل ذكره ما للفريقين في الآخرة التفت إلى المشركين الذين كانوا ينالون من حضرة الرسول فأنزل فيهم قوله العظيم {وأسِرُّوا قولكُمْ} أيها الكفرة في حق الرسول {أوِ اجْهرُوا بِهِ} فهو على حد سواء عند اللّه {إِنّهُ علِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} 13 ودخائلها وما خبئ فيها مما حدث أو سيحدث، ثم أكد قوله بقوله: {أ لا يعْلمُ منْ خلق} الخلق ما يقوله خلقه، وهذا استفهام إنكاري ونفي لعدم إحاطة علمه تعالى الواقع من قبل خلقه، أي ألا يعلم ذلك من أوجد جميع الموجودات بحكمته التي هم من جملتها؟ بلى يعلم بكل ما يقع في ملكه {وهُو} أي ذلك البليغ علمه هو {اللّطِيفُ} العالم بدقائق الأشياء {الْخبِيرُ} 14 بحقائقها.ثم طفق يعدد نعمه على عباده بقوله عز قوله: {هُو الّذِي جعل لكُمُ الْأرْض ذلُولا} بحيث سهلها وجعلها صالحة لا يمتنع المشي عليها بأن يسّر وعرها وحزنها وغليظها وأوديتها وجبالها {فامْشُوا فِي مناكِبِها} في جوانبها وفجاجها لبرزق والنزهة والزيارة {وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} المخلوق لكم فيها أيها الناس في هذه الدنيا {وإِليْهِ النُّشُورُ 15} في الآخرة من القبور إلى المحشر.ثم طفق يخوف الكفرة بقوله عز قوله: {أأمِنْتُمْ منْ فِي السّماءِ} خاطبهم جل خط به بحسب اعتقادهم لأنهم من المشبهة أو من أشباههم إذ يعتقدون أنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه، تعالى اللّه عن المكان: {أنْ يخْسِف بِكُمُ الْأرْض} كما خسفها بقارون وغيره {فإِذا هِي تمُورُ 16} تضطرب من شدة حركتها من أثر الخسف المسائل {أمْ أمِنْتُمْ منْ فِي السّماءِ أنْ يُرْسِل عليْكُمْ حاصِبا} ريحا شديدة قاصفة ذات حجارة يرجمكم فيها كما فعل بقوم لوط وغيرهم {فستعْلمُون كيْف نذِيرِ} 17 إذا عاينتم العذاب وإذا علمتم أن لا أمان لكم من أحد فلما ذا تتمادون على الكفر {ولقدْ كذّب الّذِين مِنْ قبْلِهِمْ} قبل قومك يا محمد وهم الأمم السابقة أنبياءهم {فكيْف كان نكِيرِ} 18 عليهم بإنزال العذاب على غاية من الهول والفظاعة، أي هل وجدوا إنذاري الذي أنذروا به على لسان رسلي في الأمر والنهي ونكيري على منكري البعث والجزاء حقا أم لا؟ بل وجدوه حقا، وقرئ بالياء فيهما وبحذفها اكتفاء بالكسرة.قال تعالى: {أولمْ يروْا إِلى الطّيْرِ فوْقهُمْ صافّاتٍ} أجنحتها باسطتها في الهواء في جو السماء {ويقْبِضْن} أجنحتها إذا ضربن بها جنوبهن {ما يُمْسِكُهُنّ} حالتي البسط والقبض من الوقوع في الأرض {إِلّا الرّحْمنُ} الذي شملت رحمته كل شيء {إِنّهُ بِكُلِّ شيْءٍ بصِيرٌ} 19 يعلم كيف خلق وكيف دبر خلقه، راجع الآية 79 من سورة النحل المارة، وهذه الآية والتي بعدها تنبيه على قدرة اللّه تعالى على الخسف وإرسال الخاصب الذي خوفهم به في الآيتين المتقدمتين {أمّنْ هذا الّذِي هُو جُنْدٌ لكُمْ ينْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرّحْمنِ} إن أراد بكم إيقاع العذاب؟ الجواب لا أحد {إِنِ الْكافِرُون إِلّا فِي غُرُورٍ} 20 مما ينفخ الشيطان في صدورهم ويمنيّهم بأن لا عذاب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب.{أمّنْ هذا الّذِي يرْزُقُكُمْ إِنْ أمْسك} اللّه {رِزْقهُ} عليكم؟ كلا، لا أحد أبدا، وتراهم عند الإمساك يتركون أوثانهم ويرجعون إلى ربهم {بلْ لجُّوا} ضجوا وتمادوا بالغي والعناد فلم يتأثروا ولم يرتدعوا بل صاحوا وظلوا {فِي عُتُوٍّ ونُفُورٍ} 21 في نبو عن الحق وشراد وتباعد عنه.قال تعالى: {أ فمنْ يمْشِي مُكِبّا على وجْهِهِ أهْدى} له وأولى {أمّنْ يمْشِي سوِيّا على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ} 22 وهذا مثل ضربه اللّه للكافر والمؤمن الذي كان مطاطئا رأسه في الضلالة والجهالة، والمؤمن الرافع رأسه في الهدى والرشد {قُلْ هُو الّذِي أنْشأكُمْ وجعل لكُمُ السّمْع والْأبْصار والْأفْئِدة قلِيلا ما تشْكُرُون} 23 اللّه على هذه الجوارح التي لولاها لكنتم مثل البهائم وقد ضيعتم نعمتها بصرفها لغير ما خلقت لها فحرمتم من الثواب المقدر لذلك {قُلْ هُو الّذِي ذرأكُمْ فِي الْأرْضِ} خلقكم وبثكم فيها في الدنيا لتفكروا بآلاء اللّه {وإِليْهِ تُحْشرُون} 24 في الآخرة لتحاسبوا وتكافؤا على أعمالكم الخير بأحسن منه والشر بمثله، وتراهم يا سيد الرسل معرضين عن كل ذلك {ويقولون} لك {متى هذا الْوعْدُ} الذي توعدنا به وتهددنا فيه أنت وأصحابك {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِين} 25 أن هناك حياة أخرى نحاسب فيها على أعمالنا ونثاب أو نعاقب.
|